الخميس، 20 ديسمبر 2012

المنستير - قصة كهل مكافح في المكنين : في الليل تحت آلة «الدياليز» وفي النهار في السوق يبيع الغلال

Slide 1
الشروق ـ (مكتب الساحل)
ما أجمل أن يتحدى الإنسان المرض ويتحدى وضعه الصحي فيخرج إلى الناس بروح متفائلة، ما أجمل أن يعمل الإنسان وهو مريض ليتغلب على اليأس ويزرع في قلبه أملا قد يكون حافزا لمواصلة العيش في حياة أصبحت فيها لقمة العيش صعبة المنال.
نعم هذا هو حال الكهل توفيق بن خديجة رجل تخطى عتبة الأربعين من عمره ولكنه ما زال يعيش بروح الشباب التي لا تعترف بالهزيمة ولا بالإحباط ربما هي شجاعة نادرة لا تتوفر لدى الكثيرين فابن المكنين درس حتى الباكالوريا لكنه فشل في الحصول على الشهادة ولعل هذا الفشل كان له دافعا لينخرط في ميدان العمل  وخاصة في التجارة التي امتهنتها العائلة أبا عن جد.

توفيق كان يعيش حياة عادية فتزوج وأنجب فتاة هي اليوم في الثامنة من عمرها رغم أنه أصيب منذ أكثر من 23 عاما بمرض السكري مرض يعلم الجميع مدى  انعكاساته السلبية على بقية أجهزة الجسم ورغم المرض واصل توفيق الشاب حياته بصفة عادية إلا أن المرض تطور خلال السنوات الأخيرة  وأخذ منه مأخذا كبيرا  وأنهك كليتيه اللتين أصبحتا عاجزتين عن القيام بوظيفتهما ومن هنا انطلقت المأساة الحقيقة لتوفيق ودخل مرحلة تصفية الدم منذ حوالي أربع  سنوات. 

عرض وبعد

عن وضعه الصحي يقول توفيق « لم أتأثر كثيرا في البداية عندما أصبت بداء السكري وواظبت على العلاج لكن منذ طلب مني الطبيب القيام بعملية  «الدياليز» وعدم الخروج إلى الشمس والبرد ومنعني من سياقة الشاحنة أظلمت الدنيا في عيني وأصابني إحباط كبير وأحسست أن حياتي لا معنى لها في ظل هذا العجز الذي سيكبلني..

بقيت أربعة أشهر كاملة في البيت لم أخرج فيها إلى الشارع وحتى الأحباب والأصحاب لم تعد لي رغبة في مقابلتهم رغم إيماني بأن ما ابتلاني به الله إنما هو اختبار في الدنيا وقدر لا مفر منه».

ويضيف توفيق «حرصت على أن يتم  العلاج في بيتي فمكنني  صندوق التأمين على المرض  من آلة للتصفية وصرت أتزود  بالماء اللازم للعملية وهو بمعدل عشرين لترا في الليلة الواحدة وصارت زوجتي تشرف على العملية بعد أن خبرتها بطول الوقت...».

لا للاستسلام

سكت توفيق لحظات التقط  فيها  أنفاسه وهو  يحدثنا في مكان   عمله في السوق  حيث التقيناه ثم واصل قائلا « تقوم زوجتي كل ليلة بعملية تعقيم الغرفة  ثم تنطلق في تزويد الآلة بالماء وتنطلق عملية التصفية التي تتواصل مدة ثماني ساعات كاملة نعم ثماني ساعات كاملة من الليل اقضيها تحت آلة الدياليز ثم أنهض بعدها صباحا لألتحق بعملي بالأسواق الأسبوعية أين أبيع الغلال...

لم أتخلف يوما عن العمل رغم الإرهاق الكبير  الذي أشعر به فأنا مؤمن بالله وطالما أنه متعني بالقليل من الصحة فهذا حسب رأيي  يغنيني عن الكثير وسأواصل كفاحي وجهادي في هذه الحياة  من اجل الحصول على لقمة العيش حتى لا تعرف عائلتي الخصاصة».

سألنا توفيق عمّا إذا كان يتمتع وهو في هذه الحالة الصحية المتردية بمنحة أو شيء كهذا ابتسم وقال «هي ثمانون دينارا في الشهر ولكن ماذا عساي أفعل بها؟ بالطبع لن تكفيني.. على كل الحمد لله وهي خير من لا شيء... ومع ذلك فأنا مصر على مواصلة الرحلة  بما فيها من أتعاب ولن أكف عن ذلك حتى يفرجها الله...».

وهنا تدخلت ثانية لأسأله كيف؟ فأجاب « بالحصول على كلية أو ببعث مشروع يقيني أتعاب السوق وهذا لن يتم إلا بلفتة من أصحاب القلوب الرحيمة وبعون من الله».
المهدي خليفة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق